رأي شخصي – بقلم: ميشيل نان

في ظل القضايا الحساسة التي تمس مشاعر المجتمع وضميره، تبرز قضية الطفل ياسين بوصفها واحدة من تلك الوقائع التي تثير الكثير من التساؤلات وتدفعنا للتأمل لا في الحدث نفسه فقط، بل في طريقة التعاطي معه قانونياً وإعلامياً واجتماعياً.

بداية القصة تعود إلى بلاغ تقدمت به والدة الطفل ياسين، الذي لم يتجاوز الخامسة من عمره، مدعية تعرضه للاعتداء من قبل موظف مسن يبلغ من العمر 78 عاماً يعمل في مدرسة الكرمة الخاصة بدمنهور.

وقد تحركت النيابة بسرعة لافتة، وتم القبض على الرجل المسيحي وتحويله للمحاكمة في وقت قياسي. وهنا تبدأ التساؤلات.

بعيداً عن التشكيك في رواية الأم أو في تفاصيل القضية، إلا أن الوتيرة السريعة التي تم فيها التحقيق والحكم، تثير نوعاً من الحيرة.

كيف تم تجاوز المدد المعتادة في مثل هذه القضايا، خصوصاً أن تقارير الطب الشرعي عادة ما تحتاج إلى وقت كافٍ لتصدر؟

ولماذا لم يُتح المجال الكافي لتحريات أعمق قد تضمن عدالة القرار؟

كما أن تقرير الطب الشرعي أكد أن الطفل لم تظهر عليه أية آثار إصابية، لا حديثة ولا قديمة. ولا توجد أعراض مرضية وقت الفحص، مع ذلك، لوحظ اتساع طفيف في فتحة الشرج أثناء وضعية السجود والإبعاد، وهو قد يشير لحدوث إيلاج متكرر، لكنه لا يُعتبر دليلاً قاطعًا على حدوث اعتداء جنسي بالإكراه، نظراً لاحتمالات صحية أخرى مثل ضعف عضلات الشرج أو الأنيميا.

من ناحية أخرى، أبدت إحدى العاملات في المدرسة، التي تم الاستشهاد بأقوالها ضمن التحقيقات، – أنها كانت تقتاد الطفل ياسين إلى المتهم لكي يعتدجي عليه جنسياً – لاحقاً في تسجيل مصوّر أنها لم تُدلِ بما نُسب إليها، وأن أقوالها تم تحويرها. إذا ثبت ذلك، فإن الأمر يستحق التوقف الجاد عنده، احتراماً لمبدأ العدالة، وحرصاً على نزاهة التحقيقات.

ما يدعو للقلق أيضاً هو مناخ الضغط الذي رافق القضية، حيث توافدت أعداد من المواطنين المسلمين أمام المحكمة، رافعين شعارات وهتافات تثير الحساسيات، ومطالبين بإصدار حكم معين. بالرغم من أنه يُفترض أن تصدر الأحكام بمعزل عن أي تأثير خارجي، أياً كان مصدره.

العدالة لا تُبنى على الظنون أو على الأصوات المرتفعة في الشارع، بل على الأدلة القطعية والتحقيقات الشفافة.

وهنا لا يمكن أن يغيب عن بالنا أن كل متهم بريء حتى تثبت إدانته، وأن العدالة لا تميز بين الناس على أساس الدين أو العمر أو الخلفية الدينية.

المؤلم أن تكون هناك حالات مشابهة لقضايا اعتداء على أطفال في مصر أو خارجها، لاعتداء شيخ مسلم على طفل، لم تلقَ نفس الصدى أو المتابعة، بل مرّت بصمت شبه تام، وبعضها لم يحظَ بتغطية قانونية أو إعلامية تليق بخطورة الجرم. هذه المفارقة لا تعني التشكيك، ولكنها تدفع للتساؤل عن مدى التوازن في تطبيق العدالة.

القضايا المشلبهة هي:

قضية شيخ مسلم يعتدي على طفل في عمر تسع سنوات

شيخ يعتدي جنسيا على طفل خلال جلسة لتحفيظ القرآن

وفي القضيتين لم أقرأ في الصحف أن الحكم قد صدر على أيٍ من الشيخين.

أؤمن، كمواطن مصري، أن حماية الأطفال واجب مقدس، وأن كل متورط في جريمة كهذه يجب أن يُحاسب بحزم، لكنني أؤمن أيضاً أن إنصاف المتهمين لا يقل أهمية عن إنصاف الضحايا.

يجب ألا نسمح لأي قضية، مهما كانت حساسة، أن تتحول إلى ذريعة دينية لتأجيج مشاعر الانقسام أو الانحياز غير المنطقي الذي قد يتسبب في فتنة طائفية في مصر.

وأنا أرى أن التظاهارات الإسلامية التي قام بها مسلمون السبب فيها أنهم ينظرون إلى المسيحيين على أنهم كُفّار أو مشركين ويجب التخلص منهم.

وهذا هو غرض الإخوان المسملين وخريجي الأزهر في مصر الذين يحفزون المسلمين على تنفيذ المكتوب في القرآن: “فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ۚ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ” سورة التوبة (5)

وهذا ما حدث، لقد أرادوا القصاص من رجل مُسنّ ليس لأن التهمة ثابتة عليه ولكن لأنه مسيحي وبالنسبة لهم هو مشرك.

كما أنه مكتوب في القرآن في سورة التوبة 29: “قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ”

فإن كان هذا ما يريدون، فجميعنا هنا في مصر مهددون بالقتل والانتقام.

أعلم أن هناك أناس مسلمين معتدلين، ولكن هؤلاء ربما لم يقرأوا القرآن جيداً، أو ربما يؤمنون أن هذا المكتوب كان في زمن قديم ولكن الأمور تغيرت الآن.

ولكنني لم أتحدث عن هؤلاء ولكنني أتحدث عن المتعصبين من الإخوان المسلمين الذين ما زالوا يريدون تطبيق الشريعة الإسلامية في مصر والعالم كله، وهم مكنونون في أماكن غير معروفه، ولكنهم يهيجون المسلمين العاديين في أوقات مثل هذه، أي مثل قضية الطفل ياسين.

فهم يستغلون أي حدث لكي يعتبرون شعلة يقيدون بها نيران الانتقام..

أين السماحة في الدين الإسلامي الذي قال: “وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ” المائدة 82

إني أرى في رأيي الشخصي، أن الإخوان المسلمين يستخدمون الآيات التي بها “مودة” ليثبتوا أن الإسلام به تسامح محبة، ولكن عندما يحدث أي حدث مثل قضية الطفل ياسين أو غيرها، عندئذ يستخدمون آيات القتل والقتال ضد المسيحيين واليهود.

ولن أتكلم عن قضية المسلمين عن اليهود لأنها ليست موضوعنا ولكنني أرى أن هناك تعصب ديني في مصر لطالما الإخوان المسلمين يسيطرون على الأزهر الشريف ويعلم الطلاب آيات القتل والقتال والكراهية لغير المسلمين.

أتمنى من قلبي أن يُعاد النظر تحقيقات الطفل ياسين، وأتمنى أن يكون صوت العدالة هو الأعلى، دون تأثير من أي طرف.

فالوطن لا يحتاج إلى مزيد من التوتر، بل إلى عدالة تُشعِر الجميع بالأمان والانتماء.