
في إنجاز طبي غير مسبوق على مستوى إمارة دبي، نجح فريق طبي متخصص في مستشفى «كينغز كوليدج لندن في دبي»، بدعم من «مؤسسة الجليلة» الذراع المعطاء لـ«دبي الصحية»، في إجراء أول عملية زراعة كبد لطفل رضيع يبلغ من العمر 13 شهراً. هذا النجاح يعكس التكامل المثمر بين القطاعين الحكومي والخاص في دبي.
تُعد هذه العملية خطوة نوعية في مسيرة التطور والتميز التي يشهدها القطاع الصحي في الإمارة، وتتماشى مع أهداف أجندة دبي الاجتماعية 33 الرامية إلى تعزيز كفاءة وجودة المنظومة الصحية ووصولها إلى أرقى المستويات العالمية.
أُجريت الجراحة الدقيقة والمعقدة للطفل «مالك» على يد البروفيسور محمد ريلا، أحد أبرز جراحي زراعة الكبد على مستوى العالم، وبمشاركة فريق طبي متكامل التخصصات من مستشفى كينغز كوليدج لندن في دبي.
وقد ساهم مستشفى الجليلة للأطفال بدور حيوي في التحضير للعملية من خلال توفير خدمات طبية متخصصة للطفل ووالده المتبرع بجزء من كبده، بالإضافة إلى إجراء جراحة ناجحة لإصلاح ثقب في قلب الطفل، وهو ما مهّد الطريق لنجاح عملية زراعة الكبد في مستشفى كينغز كوليدج لندن في دبي.
حالة طبية نادرة تتطلب تدخلاً جراحياً معقداً
كان الرضيع «مالك» يعاني من حالة طبية نادرة تُعرف باسم «رتق القنوات الصفراوية»، والتي أدت إلى تدهور حالته الصحية على الرغم من خضوعه لعملية جراحية سابقة لتوصيل الكبد بالأمعاء. بالإضافة إلى ذلك، كان يعاني من ثقب في القلب (عيب في الحاجز الأذيني). وقد تم تحويله إلى مستشفى كينغز كوليدج لندن في دبي من قبل مستشفى الجليلة للأطفال بعد نجاح عملية إصلاح ثقب القلب، وذلك في إطار جهود المستشفى المستمرة لدعم الحالات الإنسانية الحرجة وتوفير فرص العلاج المتقدم للأطفال داخل الدولة.
وقد أثمر التدخل الطبي المتميز لمستشفى الجليلة للأطفال ومستشفى كينغز كوليدج لندن في دبي عن منح الطفل «مالك» فرصة جديدة للحياة من خلال زراعة جزء من كبد والده. تكللت العملية بالنجاح التام وغادر الرضيع المستشفى بعد استكمال شفائه.
جاهزية متقدمة للمنظومة الصحية في دبي
أكد الدكتور يونس كاظم، المدير التنفيذي لقطاع التنظيم الصحي بالإنابة في هيئة الصحة بدبي، أن نجاح أول عملية زراعة كبد لطفل يبلغ من العمر 13 شهراً في دبي يمثل إنجازاً طبياً بارزاً يعكس الجاهزية العالية للمنظومة الصحية في الإمارة للتعامل بكفاءة واقتدار مع أكثر الحالات الطبية تعقيداً، وذلك في بيئة محفزة للتميز وداعمة للاستثمار الصحي النوعي.
وأشار إلى حرص هيئة الصحة بدبي على تمكين وتطوير المنشآت الصحية الخاصة باعتبارها شريكاً أساسياً في تقديم خدمات طبية تخصصية متقدمة، من خلال توفير منظومة تشريعية متطورة وسياسات مرنة ودعم مستمر لجذب أفضل الكفاءات العالمية، بما يعزز مكانة دبي كمركز صحي رائد على المستويين الإقليمي والعالمي.
وأوضح أن جهود الهيئة تتركز على وضع معايير متكاملة وعالمية المستوى لعمليات نقل وزراعة الأعضاء داخل الدولة، بالاعتماد على أفضل الممارسات الدولية، وبما ينسجم مع نموذج دبي القائم على التميز في الأداء وجودة الخدمات والشفافية وحوكمة الإجراءات الطبية الدقيقة، لضمان سلامة المرضى ورفع كفاءة عمليات الزراعة وتعزيز ثقة المرضى بالمنظومة الصحية في دبي.
واختتم الدكتور كاظم بالإشارة إلى أن هذا الإنجاز الطبي والرعاية الصحية المتكاملة التي حظي بها الطفل المريض تؤكد أن دبي تسير بخطى واثقة نحو تحقيق أهدافها الاستراتيجية بأن تكون المدينة الأفضل في جودة الحياة والصحة والسعادة.
التزام بأعلى المعايير العالمية في الرعاية الصحية
من جانبه، أكد الدكتور عامر الزرعوني، المدير التنفيذي لمؤسسة الجليلة، أن هذا الإنجاز يمثل نقلة نوعية في مسيرة القطاع الطبي في دبي، ويعكس الالتزام الراسخ للإمارة بتوفير خدمات طبية متقدمة وفقاً لأعلى المعايير العالمية.
وأعرب عن تقديره للشركاء الذين ساهموا في نجاح هذه الجراحة النوعية، والتي تُعد نموذجاً متميزاً للتكامل بين القطاعين الحكومي والخاص والمؤسسات الخيرية، مشيداً بالدور المحوري للمتبرعين وإسهاماتهم الهامة في دعم برامج زراعة الأعضاء التي ترعاها مؤسسة الجليلة، وأثرها الإيجابي على حياة المرضى الذين يعانون من مشكلات صحية.
وأوضح أن «مؤسسة الجليلة» تكفلت بكامل النفقات الطبية للطفل «مالك»، من خلال توفير الرعاية الصحية المتكاملة قبل العملية وبعدها في مستشفى الجليلة للأطفال، وذلك في إطار التزامها المستمر بتوفير خدمات صحية متكاملة للفئات المستحقة تحت شعار «المريض أولاً».
يُذكر أن «مؤسسة الجليلة» قد وقعت اتفاقية تعاون مع مستشفى كينغز كوليدج لندن في دبي على هامش فعاليات معرض ومؤتمر الصحة العربي 2025، بهدف توسيع نطاق مبادرات الرعاية الصحية الخيرية في دولة الإمارات من خلال دعم برامج زراعة الأعضاء.
إنجازات طبية دقيقة تعكس التطور المستمر
من جهتها، أشارت الدكتورة حنان علي عبيد، مدير إدارة السياسات والمعايير الصحية في هيئة الصحة بدبي، إلى أن نجاح أول عملية زراعة كبد للأطفال في دبي يجسد التزام الهيئة بتوفير بيئة تنظيمية متكاملة تواكب أعلى المعايير العالمية في جودة الرعاية وسلامة المرضى.
وأكدت حرص الهيئة على تبني أفضل النماذج التنظيمية المتقدمة والمرنة التي تمكن المؤسسات الصحية من تحقيق هذا النوع من الإنجازات الطبية الدقيقة والمعقدة داخل الدولة، موضحة أن معايير زراعة الأعضاء التي تم تطويرها في دبي تستند إلى أفضل الممارسات الدولية وتراعي الجوانب الطبية والأخلاقية والإنسانية، بما يضمن كفاءة العملية وسلامة المتبرعين والمستفيدين، ويتماشى مع رؤية وقيم ومبادئ الهيئة التي تركز على الإنسان محوراً للخدمات الصحية، وضمن منظومة متكاملة تعزز ثقة المرضى وترسخ مكانة دبي كمركز عالمي للرعاية الصحية التخصصية.
بدوره، أوضح البروفيسور محمد ريلا أن حالة الطفل «مالك» كانت معقدة للغاية نظراً لصغر سنه ووزنه وتعدد مشكلاته الصحية، مؤكداً أن النجاح يعكس كفاءة الفريق الطبي وشمولية البرنامج التخصصي الذي يضم نخبة من الخبرات متعددة التخصصات لتقديم رعاية صحية شاملة ومتكاملة تساهم في إنقاذ حياة المريض.
وقال الدكتور راجيف تومار، استشاري طب الأطفال ومدير برنامج زراعة كبد الأطفال في مستشفى كينغز كوليدج لندن في دبي، إن الفحوصات الأولية للطفل «مالك» أظهرت إصابته بيرقان حاد وتضخم في الكبد والطحال وسوء تغذية شديد، مما يشير إلى أن زراعة الكبد كانت الخيار الوحيد لإنقاذ حياته.
وأوضح أن حالة الطفل كانت من أكثر الحالات تحدياً التي تم التعامل معها، خاصة في ظل وجود عيب قلبي تم علاجه بنجاح في مستشفى الجليلة قبل إجراء عملية زراعة الكبد.
تحول نوعي في خارطة الرعاية الصحية بالإمارة
من ناحيتها، أكدت كيمبرلي بيرس، الرئيس التنفيذي لمستشفى كينغز كوليدج دبي، أن نجاح العملية يمثل تحولاً نوعياً في خارطة الرعاية الصحية بالإمارة، حيث تمكن المستشفى من تلبية حاجة طبية ملحة كانت تستدعي السفر للخارج سابقاً، وأصبحت متاحة محلياً بفضل التوجيهات الداعمة والمنظومة الصحية المتكاملة التي تحتضنها دبي.
بدوره، قال الدكتور تاشفين صديقي علي، الرئيس الطبي لمستشفى كينغز كوليدج لندن في دبي، إن هذا الإنجاز يشكل نقطة تحول في مسيرة دبي لتكون مركزاً عالمياً للرعاية الصحية التخصصية، ويعكس التطور السريع في قدرات القطاع الصحي، ويجسد التزام المستشفى برؤية دبي في تقديم أعلى مستويات الرعاية الصحية الشاملة لجميع أفراد المجتمع بمن فيهم الأطفال.
يُعد مركز كينغز للتميز في زراعة الكبد أول مركز متخصص في زراعة الكبد للكبار والأطفال في دبي، ويستند إلى تاريخ علمي عريق بدأ عام 1979 بدعم من المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس الدولة، الذي ساهم في إنشاء مركز أبحاث الكبد في مستشفى كينغز كوليدج لندن، والذي يُصنف اليوم ضمن أفضل ثلاثة مراكز لزراعة الكبد في العالم، حيث يُجري أكثر من 200 عملية سنوياً.