يكرم مهرجان جمعية الفيلم في دورته الـ 51 هذا العام شخصيات بارزة في عالم السينما، من بينهم الناقدة وكاتبة السيناريو القديرة ماجدة خير الله. مسيرة فنية ثرية جمعت فيها خير الله بين تأليف السيناريو لأفلام ومسلسلات تلفزيونية وبين الكتابة النقدية السينمائية على مدار سنوات طويلة. كما كان لها حضور مميز في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية والمحلية.

أتذكر جيدًا معرفتي بها عن قرب حينما تشاركنا مسؤولية اختيار الأفلام لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي. كانت مداعبات الناقد الكبير الراحل يوسف شريف رزق الله لها تضفي على الأجواء طابعًا خاصًا، وهو يسألها بابتسامته الهادئة عن الجدل الذي أثاره تصريح لها حول إحدى القضايا الفنية.

سبقتني ماجدة في العمل الصحفي وفي المشاركة بالمهرجانات السينمائية. جمعنا لقاء آخر في لجنة تحكيم بمهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة، برئاسة الناقد الكبير كمال رمزي، وكانت فرصة أخرى لتبادل الحديث والآراء. هذه المرة، كان كمال رمزي هو من يداعبني ويسأل عن بعض مواقفي التي تثير دهشته، بينما كانت ماجدة تبدي رغبتها في معرفة المزيد.

تقاربت مع ماجدة على الصعيدين الإنساني والفكري، ربما لأننا انطلقنا من ذات المجال الدراسي، وهو السينما، وإن اختلفت مساراتنا العملية؛ فقد اتجهت أنا إلى المونتاج بينما تخصصت هي في كتابة السيناريو. لكن يجمعنا شغف مشترك وهو النقد السينمائي، الذي نراه استكمالًا لمسيرة حبنا لفن السينما، سواء في صناعتها أو تحليلها وتقييمها.

على عكسي، لم تقم ماجدة حتى الآن بجمع مقالاتها النقدية في كتاب. وقد استغربت حينما أخبرتني أنها لا تحتفظ إلا بعدد قليل من أرشيفها الصحفي الغزير الذي نشرته أسبوعيًا لسنوات طويلة. لحسن الحظ، تمكنت من إنقاذ بعض هذه الأصول وأنا أتصفحها الآن محاولةً التعرف عن قرب على أسلوبها المميز الذي يظهر جليًا في آرائها التي تنشرها عبر صفحات التواصل الاجتماعي.

في هذه السطور الموجزة، أود أن أسرد بعضًا من عناوين مقالاتها كتحية تقدير لتكريمها المرتقب في مهرجان جمعية الفيلم، والذي سيُقام حفل إعلان جوائزه في الثاني والعشرين من أبريل عام 2025.

أتذكر من مقالاتها في مجلة “آخر ساعة” عنوانًا لمقال عن فيلم “التوربيني” عام 2007: “التوربيني فيلم جميل في توقيت رديء”. وفي نفس العام، كتبت مقالًا عن مسلسل “الملك فاروق” الذي قام ببطولته الممثل السوري تيم حسن، وتضمن المقال حوارًا بينهما حول استقبال الجمهور المصري للمسلسل وغير ذلك من الموضوعات، حيث أكد تيم حسن أن “الجمهور المصري مقياس لنجاح أي فنان عربي”.

ومن العناوين اللافتة التي تعكس روحها الساخرة عنوان لمقال مصحوب بصورة للفنانة نادية الجندي: “جيل الكبار راحت عليهم”. وكتبت أيضًا عن فيلم “في شقة مصر الجديدة” بعنوان رئيسي مؤثر: “الحب قد يأتي يومين وقد لا يأتي أبدا”، مع عنوان فرعي يصف الفيلم بـ “أفلام جميلة يخاصمها الجمهور”. والجدير بالذكر أن العنوان ليس بالضرورة من صياغة كاتب المقال، فقد يتدخل رئيس التحرير أحيانًا أو يقتبس العنوان من داخل سطور المقال نفسه.

بين يدي الآن أصول عدد من مقالاتها التي نُشرت في “آخر ساعة” عام 2007، حيث كانت لها مساحة أسبوعية حرة تكتب فيها عن فيلم مصري أو أجنبي، مثل فيلم “كلمات وألحان”، أو عن مسلسل تلفزيوني. وكانت كتاباتها دائمًا ما تحدث صدى واسعًا بين الجمهور، خاصة أنها كانت تفضل مشاهدة الأفلام في دور العرض العادية وسط الجمهور وليس في العروض الخاصة.

عرفت ماجدة بحدة نقدها، خاصة في مجال الكتابة السينمائية والتلفزيونية، وهو مجال تخصصها الأساسي، كما ظهر في مقالها عن فيلم “كشف حساب” الذي بدأته بالإشارة إلى أصول أفلام التشويق، ثم وصفت شخصيات الفيلم بأنها “في غاية الغرابة”. كما لم تتردد في انتقاد ما أسمتهم “فئة من النقاد” الذين يهاجمون أي تجربة جديدة، كما حدث مع فيلم “علاقات خاصة” للمخرج إيهاب لمعي، لتختتم مقالها بالتأكيد على أن تقديم أفلام بعيدة عن نجوم الشباك هو فكرة مقبولة وستؤدي حتمًا إلى تغيير خريطة السينما المصرية.

وعندما تناولت أفلام صيف عام 2007 في مقال شامل، كان العنوان الرئيسي عن الفنان أحمد السقا الذي “يدعو النساء لقبول سيطرة الرجل في فيلمه تيمور وشفيقة مع منى زكي” والذي وصفته بأنه جاء مخيبًا للآمال، بينما أشارت إلى أن “الفيشاوي الصغير يختار الطريق الصعب في 45 يوم”.

أدارت ماجدة حوارًا شيقًا مع النجمة ميرفت أمين حول دورها في فيلم “مرجان أحمد مرجان”، ونوهت بجمالها المتجدد كما ظهر في الفيلم الذي كتبت له السيناريو والحوار في أول تجربة لها في هذا المجال عام 1987 بعنوان “امرأتان ورجل”، وكان عنوان اللقاء آنذاك “من الفنكوش إلى مرجان”. هذا العرض السريع لعناوين بعض مقالاتها في عام واحد بمجلة “آخر ساعة” يكشف عن حسها الساخر اللاذع في النقد، كما يتضح في عنوان مقالها عن فيلم محمد سعد “كركر”: “كركر يتحدى مورجان .. بأمارة إيه ؟”، لتختتمه بتوقع “اقترابه من مرحلة السقوط السريع”.

بالتزامن مع مقالها الأسبوعي في “آخر ساعة”، كانت لماجدة كتابات في جريدة “روز اليوسف”، وبرزت غزارة إنتاجها حين كتبت مقالًا ثانيًا عن فيلم “تيمور وشفيقة” بعنوان مختلف: “تيمور يؤكد أن سي السيد “ما متش” وشفيقة تضحي بالوزارة “عشان تتجوز””.

استخدامها للغة العامية في عناوين مقالاتها يجعل القارئ يشعر وكأنه يستمع إلى صوتها مباشرة. ومع تقلص مساحات النقد السينمائي في المجلات والصحف، سيظل الجمهور يستمع إلى صوت ماجدة بوضوحه وصراحته في التعبير عن وجهة نظرها في أي عمل فني أو ظاهرة مجتمعية، خاصة بعد انتشار ما يُعرف حاليًا بالترند، حيث يلجأ إليها الكثيرون بالسؤال وهي تجيب بثبات وصراحة قد تثير دهشة السائل رغم أنه كان من الطبيعي أن يتوقع مثل هذه الردود الصريحة من ماجدة خير الله.

ماجدة خير الله هي كاتبة سيناريو وناقدة مصرية بارزة. بدأت رحلتها الأكاديمية بدراسة العلوم، ثم التحقت بالمعهد العالي للسينما. بدأت حياتها العملية كصحفية وناقدة سينمائية، ثم استكملت مسيرتها الفنية بالتأليف السينمائي والتلفزيوني. اشتهرت بتأليفها لفيلم “العفاريت” (1990) بطولة عمرو دياب ومديحة كامل. ومن الأعمال القريبة إلى قلبي أيضًا فيلم “الستات” (1992) للمخرج مدحت السباعي، وبطولة محمود يس وفيفي عبده وعبلة كامل، الذي تدور أحداثه في عالم الصحافة الذي خبرته ماجدة جيدًا وتعرف خفاياه.

المصدر: