كاظم الساهر، الملقب بـ”قيصر الغناء العربي”، هو أحد أبرز الفنانين الذين صنعوا لأنفسهم مكانة خاصة في تاريخ الموسيقى العربية، ليس فقط بصوته الشجي، بل أيضاً بقدرته الاستثنائية على التلحين والتأليف الموسيقي. وُلد في مدينة الموصل العراقية عام 1957، وبدأ مشواره الفني في ثمانينيات القرن الماضي، ليصبح لاحقاً رمزاً للفن الراقي والموسيقى الشعرية، خصوصاً بعد تعاونه الطويل مع الشاعر الكبير نزار قباني.
تميز كاظم الساهر بقدرته على دمج الكلاسيكية الشرقية مع لمسات أوركسترالية غربية، ما منح أعماله بُعداً فنياً متفرداً، وجعلها تحظى بإعجاب الجمهور والنقاد على حد سواء. ألحانه تمتاز بالثراء الموسيقي، والتوزيع المحكم، واختيار المقامات الشرقية بعناية لتخدم النص الشعري وتُبرز المعاني العاطفية بعمق.
من أبرز نجاحاته في التلحين، أعمال مثل “زيديني عشقاً” و**”إني خيرتكِ فاختاري”** و**”مدرسة الحب”**، التي قدم فيها الساهر ألحاناً تنبض بالعاطفة وتتماهى مع كلمات نزار قباني في سلاسة وانسجام تامين. لم يكن مجرد مؤدٍ للكلمات، بل كان شريكاً فنياً في ولادتها موسيقياً، حيث استطاع عبر ألحانه أن يُعبر عن تفاصيل النص كما لو كان هو كاتبها.
إحدى أهم ميزات الساهر في التلحين هي جرأته في التجريب، دون التفريط بالهوية الشرقية. فهو لا يتردد في استخدام آلات غربية مثل الكمان والتشيلو والبيانو، ولكن دائماً ضمن إطار يخدم الجو العربي. وقد وصل بتقنياته التلحينية إلى مستوى عالمي، حيث شارك في مهرجانات دولية مثل مهرجان بعلبك، ودار الأوبرا المصرية، ولاقى إشادة واسعة من النقاد، منهم الباحث والناقد الموسيقي اللبناني إلياس سحاب الذي قال إن الساهر “واحد من القلائل الذين يعرفون كيف يوظفون الشعر العربي الحديث في قالب غنائي محافظ على الأصالة” النهار اللبنانية، 2017.
كما أنه يلحّن معظم أغانيه بنفسه، ما يمنحه حرية فنية في التعبير الموسيقي، ويخلق حالة من التوازن بين الكلمات والصوت واللحن. هذا التمكن الملحوظ، إلى جانب احترامه الشديد للمستمع، جعله فناناً تتقاطع عنده الأجيال، وتلتقي في أعماله الذائقة العربية الرفيعة.
بكل هذه العناصر، يُعتبر كاظم الساهر مدرسة قائمة بذاتها في التلحين، وفناناً حافظ على جماليات الطرب العربي، ونجح في تطويرها بما يتماشى مع الذوق المعاصر، دون أن يفقد روحها الأصيلة.
بقلم / ميشيل نان