تُعد الفنانة اللبنانية الكبيرة صباح، أو “الشحرورة” كما لُقبت، أيقونة فنية حقيقية تركت بصمة لا تُمحى في تاريخ الغناء والتمثيل العربي. امتدت مسيرتها الفنية لعقود طويلة، قدمت خلالها إرثاً غنياً من الأعمال الخالدة التي لا تزال تُطرب الآذان وتُمتع العيون حتى يومنا هذا.

الميلاد والوفاة وبداية المشوار

وُلدت صباح، واسمها الحقيقي جانيت فغالي، في 10 نوفمبر 1927 في بلدة وادي شحرور بلبنان. بدأت موهبتها الفنية بالظهور منذ صغرها، وفي سن الثامنة عشرة، اكتشفتها المنتجة اللبنانية آسيا داغر، التي أُعجبت بجمال صوتها وحضورها الآسر. انتقلت صباح إلى مصر، حيث كانت الانطلاقة الحقيقية لمسيرتها الفنية. قدمتها آسيا داغر للموسيقار رياض السنباطي، الذي تدربت على يديه لتنطلق مسيرتها الفنية بقوة.

الشحرورة:

المنتجة آسيا داغر هي التي أطلقت على الفنانة صباح لقب “الشحرورة”.

ويُعزى هذا اللقب أيضًا إلى عدة عوامل:

  • مكان ولادتها: وُلدت صباح في بلدة وادي شحرور اللبنانية، والشحرور هو طائر معروف بصوته الجميل.
  • عمها الشاعر: كان عمها شاعرًا كبيرًا يُلقب بـ “شحرور الوادي”، وكانت صباح في بداياتها تغني من أشعاره، مما ساهم في ربط اسمها بهذا اللقب.
  • صوتها الجميل والقوي: صوتها العذب والقوي الذي يشبه زقزقة طائر الشحرور كان أحد الأسباب الرئيسية وراء هذا اللقب الذي لازمها طوال حياتها.

رحلة فنية حافلة: أفلام وأغانٍ خالدة

قدمت صباح خلال مسيرتها الفنية الحافلة ما يزيد عن 85 فيلماً سينمائياً، تنوعت بين الدراما الكوميديا والاستعراض، تاركة بصمة واضحة في السينما المصرية واللبنانية. من أبرز أفلامها: “القلب له واحد” (أول أفلامها عام 1945)، “شارع الحب”، “الأيدي الناعمة”، “كانت أيام”، “فتاة الاستعراض”، و “ثلاثة رجال وامرأة”. “لحن حبي “تميزت أفلامها بتقديمها للأغاني والاستعراضات التي أصبحت علامة مسجلة باسمها.

وعلى الصعيد الغنائي، سجلت صباح ما يزيد عن 3000 أغنية، وتنوعت أغانيها بين الأغاني الطربية والشعبية والاستعراضية، محققة نجاحاً باهراً في جميع أنحاء العالم العربي. من أشهر أغانيها: “يا دلع يا دلع”، “زي العسل”، “عالرمش اللي رماني”، “ساعات ساعات”، “جانا الهوى”، و “أمورتي الحلوة”. كانت صباح تتمتع بقدرة فريدة على أداء الألوان الغنائية المختلفة، ما جعلها محبوبة من جميع الأذواق.

عمالقة التلحين في مسيرة الشحرورة

تعاونت صباح مع كبار الملحنين في العالم العربي، الذين أثروا مسيرتها بألحان خالدة. من أشهر الملحنين الذين وضعوا بصمتهم في أغانيها:

  • محمد عبد الوهاب: لحن لها العديد من الأغاني الناجحة، منها “ع الضيعة”.
  • بليغ حمدي: قدم لها روائع غنائية لا تُنسى مثل “زي العسل” و”جانا الهوى”.
  • رياض السنباطي: كان له دور كبير في بداية مسيرتها، ولحن لها أغاني مهمة.
  • فريد الأطرش: شاركها في العديد من الأفلام وقدما معًا ثنائيات غنائية شهيرة.
  • ملحم بركات: لحن لها العديد من الأغاني التي لاقت رواجاً كبيراً.
  • جمال سلامة: لحن لها جميع أغاني فيلم “ليلة بكي فيها القمر” و كانت هذه الأغاني بصمة أخري في تاريخ صباح.

صباح: رؤية للحياة وآراء لا تُنسى

اشتهرت صباح بشخصيتها العفوية والمرحة، وحبها للحياة والبهجة. كانت تؤمن بأن الفن رسالة، وأن الفنان يجب أن يقدم الفرح والسعادة للجمهور. لم تكن تهتم بالبروتوكولات الرسمية، بل كانت قريبة من الناس، تتمتع بروح شبابية لم تفارقها حتى آخر أيامها.

تزوجت صباح تسع مرات، وكانت كل زيجة تُثير اهتمام الجمهور والإعلام. لم تكن تخفي حياتها الشخصية، بل كانت تتحدث عنها بصراحة وشفافية. كانت تؤمن بالحب والحياة، وتعتبر أن كل تجربة في حياتها كانت جزءاً من مسيرتها الفنية والشخصية. كانت تقول: “الحياة حلوة وعايزين نعيشها، ومينفعش نفضل نزعل على اللي فات.” كانت هذه المقولة تلخص فلسفتها في الحياة، وهي العيش في اللحظة والاستمتاع بكل يوم.

توفيت صباح في 26 نوفمبر 2014، عن عمر يناهز 87 عاماً، تاركة خلفها إرثاً فنياً غنياً ومتنوعاً، يجعلها خالدة في ذاكرة الأجيال. لم تغب شمسها، بل ظلت شمس “الشحرورة” ساطعة في سماء الفن العربي، تُلهم الأجيال القادمة وتذكرنا بجمال الفن وروحه.

رابط الصورة :ويكابيديا

بقلم / ميشيل نان