يُعاني اليمنيون من تفشٍّ مقلق لمرض السرطان، في ظلّ واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية والصحية في العالم. يستمر المرض في تدمير الأجساد في جميع أنحاء البلاد، حيث تشهد محافظات عديدة تزايدًا في حالات الإصابة، مع تفاوت في نسب الانتشار.
يُواجه القطاع الصحي في اليمن واحدة من أحلك مراحله على الإطلاق، مما يزيد من معاناة المرضى. وفي محافظة تعز وحدها، كشف تيسير السامعي، مسؤول الإعلام في مكتب وزارة الصحة، عن تسجيل 884 حالة إصابة بالسرطان خلال النصف الأول من العام الجاري.
تُسلّط هذه الأرقام الضوء على الانتشار المقلق لهذا المرض الفتاك، والذي حصد أرواح العديد من اليمنيين على مدار السنوات الماضية.
إن تفشي السرطان في اليمن يمثل أزمة صحية وإنسانية معقدة تتفاقم بسبب سنوات من الصراع والانهيار الشامل للخدمات الأساسية.
الأنواع الشائعة للسرطان
تُظهر الإحصائيات أن سرطان الثدي هو النوع الأكثر انتشارًا في اليمن بين جميع الفئات العمرية والجنسين، ويمثل السبب الرئيسي للوفيات المرتبطة بالسرطان. يليه سرطان القولون والمستقيم وسرطان الدم (اللوكيميا). أنواع أخرى شائعة تشمل سرطان المعدة، سرطان الغدد الليمفاوية اللاهودجكنية (NHL)، سرطان المريء، سرطان الدماغ والجهاز العصبي، سرطان الرئة، سرطان الكبد، وسرطان الغدة الدرقية. هناك أيضًا زيادة ملحوظة في سرطان الدم لدى الأطفال.
أسباب تفاقم انتشار السرطان
تُعزى الزيادة المقلقة في حالات السرطان في اليمن إلى عدة عوامل، أبرزها:
- التعرض للمواد الكيميائية والمبيدات المحرمة دوليًا: يُشتبه في أن الاستخدام العشوائي لهذه المواد في الزراعة، خاصةً في زراعة القات، يساهم بشكل كبير في انتشار السرطان.
- التلوث البيئي: التخلص غير السليم من النفايات الصناعية ونفايات الشركات يزيد من مستويات التلوث.
- تدهور البنية التحتية والمياه: يؤثر الدمار الناتج عن الحرب على أنظمة المياه والصرف الصحي، مما قد يؤدي إلى تلوث المياه وانتشار الأمراض.
- نقص الوعي والفحص المبكر: يحد نقص الوعي بأهمية الكشف المبكر وغياب برامج الفحص من القدرة على تشخيص الحالات في مراحلها الأولى.
- سلسلة التوريد المتوقفة: يؤثر الحصار والنزاع على وصول الأدوية والمعدات الطبية الضرورية.
الوضع الصحي المتردي
يعيش القطاع الصحي في اليمن حالة انهيار شبه كامل بسبب النزاع المستمر منذ عام 2014. تشمل أبرز التحديات:
- تدمير البنية التحتية: تضرر أو دُمر ما يقرب من نصف المرافق الطبية في البلاد.
- نقص التمويل: تعاني المستشفيات والمراكز الصحية من نقص حاد في الميزانيات التشغيلية.
- هجرة الكفاءات الطبية: دفع انعدام الرواتب، ونقص الإمدادات، والظروف المعيشية الصعبة العديد من الأطباء والممرضين إلى مغادرة البلاد.
- نقص الأدوية والمعدات: هناك شح كبير في الأدوية الأساسية والمحاليل والمستلزمات الطبية اللازمة للتشخيص والعلاج.
- صعوبة الوصول إلى الرعاية: يواجه الملايين صعوبة في الوصول إلى الرعاية الصحية الأساسية بسبب الحواجز الجغرافية، والقيود الأمنية، وارتفاع تكاليف العلاج.
- زيادة الأمراض الأخرى: إلى جانب السرطان، يشهد اليمن انتشارًا واسعًا للأوبئة مثل الكوليرا وسوء التغذية، مما يضغط بشكل أكبر على النظام الصحي المنهك. يُقدر أن 19.5 مليون شخص سيحتاجون إلى مساعدات إنسانية وحماية في عام 2025.
جهود مكافحة السرطان
على الرغم من التحديات الهائلة، هناك بعض الجهود المبذولة لمكافحة السرطان في اليمن، غالبًا بدعم من المنظمات المحلية والدولية. وتشمل هذه الجهود:
- صندوق مكافحة السرطان: تأسس هذا الصندوق لدعم مرضى السرطان، ويسعى لتوفير الأدوية المجانية، ودعم الفحوصات المخبرية، وتمويل جلسات العلاج الإشعاعي. كما يشارك في مشاريع لإعادة تأهيل وتوسعة مراكز علاج الأورام.
- دعم المراكز الوطنية: تقديم الدعم للمركز الوطني لعلاج الأورام في صنعاء ومراكز أخرى في المحافظات لتوفير التشخيص والعلاج.
- حملات التوعية: تدعو بعض الجهود إلى تضافر الجهود لزيادة الوعي المجتمعي بالوقاية من السرطان وأهمية الكشف المبكر.
ومع ذلك، تظل هذه الجهود غير كافية لتلبية الاحتياجات المتزايدة، ويحتاج اليمن إلى دعم دولي عاجل ومستدام لإعادة بناء نظامه الصحي وتخفيف معاناة مرضى السرطان وغيرهم من الفئات الضعيفة.