تعيش صناعة الرياضة العالمية لحظة تحول غير مسبوقة. لم تعد المباريات وحدها هي محور الاهتمام، بل أصبح الجمهور لاعباً رئيسياً في “بطولة” صناعة الرياضة، بتأثير يتجاوز المدرجات ويصل إلى قرارات الرعاة والمعلنين.
بحسب تقرير نيلسن العالمي للرياضة 2025، آن الأوان لإعادة كتابة قواعد التفاعل، فأساليب التسويق التقليدية لم تعد قادرة على مواكبة جمهور اليوم الذكي، المتنوع، والمتفاعل.
التحول في طبيعة الجمهور
تشهد الرياضة طفرة غير مسبوقة بفعل عوامل مثل العولمة، وتعدد ثقافات الجماهير، والتحول في أنماط استهلاك المحتوى. المشجع الحديث أكثر ارتباطاً، وأكثر قدرة على التأثير. وهذا يخلق فرصاً ضخمة، لكنه أيضاً يفرض تحديات جديدة على العلامات التجارية ومالكي الحقوق.
صناعة بمليارات الدولارات
يتسارع نمو قطاع التسويق الرياضي ليبلغ حجم حقوق البث العالمية أكثر من 60 مليار دولار بحلول عام 2024. غير أن هذه الأرقام لا تروي القصة الكاملة؛ فالجمهور أصبح اليوم قوة اقتصادية فاعلة، تؤثر على قيمة الرعاية ومدى نجاحها.
كرة القدم.. قوة تأثير تتجاوز الملعب
تُعد كرة القدم الرياضة الأوسع انتشاراً عالمياً، إذ يُعرف 51% من البالغين حول العالم أنفسهم كمشجعين لها، متفوقة على كرة السلة (42%) والسباحة (39%).
لكن الأهم هو التأثير العاطفي العميق الذي يربط المشجعين بالرعاة؛ فـ67% من عشاق كرة القدم ينجذبون أكثر إلى العلامات التجارية التي ترعى فرقهم أو بطولاتهم المفضلة، مقارنة بمتوسط 54% في باقي الرياضات.
في الشرق الأوسط، يبرز هذا التأثير بوضوح. فاستثمارات السعودية وقطر والإمارات في الأندية المحلية وجذب نجوم عالميين رفعت الولاء المحلي، وزادت المتابعة الرقمية والتلفزيونية بشكل ملحوظ. ويؤكد التقرير أن الشباب العرب باتوا يرون كرة القدم كجزء من هويتهم الوطنية.
أما في الولايات المتحدة، فيضم جمهور كرة القدم أكثر من 62 مليون شخص، 76% منهم من جيل الألفية والجيل زد، وثلثهم يتمتع بدخل سنوي يفوق 100 ألف دولار، ما يجعلهم هدفًا مغريًا للعلامات التجارية الكبرى.
الرياضة النسائية.. سوق ناشئ بإمكانات هائلة
ارتفعت نسبة الاهتمام العالمي بالرياضة النسائية من 45% في عام 2022 إلى 50% في 2024. لكن النقلة النوعية كانت في نسب المشاهدة والمشاركة، خاصة في رياضات مثل كرة القدم والتنس وكرة السلة النسائية.
في السعودية والإمارات، ظهرت اتحادات وبطولات نسائية محلية وجامعية، ورغم محدودية التغطية الإعلامية، بدأ المشهد في التوسع. بطولة السيدات التي انطلقت في السعودية عام 2020 مثالٌ بارز على هذا التغيير.
ويشير التقرير إلى أن مشجعي الرياضات النسائية يظهرون نية شراء أعلى وتأثيراً استهلاكياً أكبر، ما يجعلهم جمهوراً جذاباً للرعاة، خصوصاً العلامات التجارية التي تستهدف النساء وتعزز قيم التمكين والتنوع.
في الولايات المتحدة، ارتفع عدد مشجعي رابطة كرة السلة النسائية (WNBA) بنسبة 31% في عامين ليصل إلى 46.9 مليون، بينهم 41% من النساء. كما شهدت نسب المشاهدة ارتفاعًا بنسبة 201%، ما شجع علامات تجارية مثل Nike وCoach على الاستثمار في هذا القطاع.
البث الرقمي يعيد تشكيل اللعبة
منصات المشاهدة التقليدية لم تعد تحتكر الجمهور. بين 2022 و2024، ارتفعت متابعة الرياضة عبر البث الرقمي لمن هم فوق سن الخمسين بنسبة 21%.
كما أصبحت منصات مثل YouTube وTikTok أدوات فعالة للوصول إلى جماهير جديدة، خاصة في مصر والسعودية والمغرب حيث زاد استهلاك المحتوى الرياضي الرقمي بنسبة تتراوح بين 30 و50%.
ومن الأمثلة البارزة، دوري الغولف التفاعلي (TGL)، الذي جذب جمهورًا جديدًا بنسبة 32% من خارج متابعي الغولف التقليدي، بفضل مزجه بين التكنولوجيا والواقع المعزز.
الرعايات الذكية والتفاعل الحقيقي
لم يعد النجاح يُقاس بعدد المشاهدين فقط، بل بمدى التفاعل، ونوعية المحتوى، وعمق المشاركة على المنصات المختلفة. العلامات التجارية مطالبة اليوم ببناء استراتيجيات متعددة القنوات، تركز على التفاعل طويل الأمد مع جمهورها.
كما أن التعاون مع لاعبين ومؤثرين يمتلكون علاقة أصيلة مع الجماهير يمكن أن يعزز مصداقية العلامة التجارية، ويوسع حضورها في قلوب المشجعين.
أما مالكو الحقوق، فعليهم تقديم بيانات دقيقة عن الجمهور وتطوير منصات شراكة مرنة ومبتكرة، خاصة في الأسواق الصاعدة مثل الولايات المتحدة والشرق الأوسط.
خلاصة: الجمهور لم يعد متفرجاً
المشهد الجديد لصناعة الرياضة يضع الجمهور في مركز اللعبة. لم يعد المشجع مجرد متابع، بل شريك في تشكيل التجربة الرياضية، وصانع قرار مؤثر في نجاح الرعايات والعلامات التجارية.
لذا، فإن النجاح في عالم الرياضة الحديث لا يأتي من مجرد الترويج للمنتجات، بل من بناء ثقة حقيقية بين العلامة والجمهور.. إنها لعبة جديدة.. يقودها جمهور ذكي.