الصحة قضية غير مرئية سياسياً في الهند؛ نادراً ما تُناقش، ولا تحتل مكانة مركزية في برامج الأحزاب السياسية، كما أنها غائبة عن الخطاب العام. بحلول الوقت الذي قد تنتهي فيه من قراءة هذا المقال، سيكون أكثر من خمسين هندياً قد انزلقوا أعمق في براثن الفقر – ليس بسبب البطالة، ولا الفيضانات أو الصراعات، بل بسبب المرض. في أسرع الاقتصادات نمواً في العالم، يُعدّ المرض، سواء الحاد أو المزمن، حدثاً صامتاً يصيب جميع الطبقات، من الأقل دخلاً إلى الأعلى ثراءً.
في العام الذي احتفلت فيه الهند بارتقائها إلى مصاف أكبر خمسة اقتصادات في العالم من حيث الحجم، تُخبرنا إحصائية أخرى أكثر هدوءاً، ولكنها بالغة الأهمية، قصة أكثر واقعية: لقد دفع ارتفاع النفقات الصحية من الجيب الملايين من الهنود إلى الفقر.
هؤلاء الأشخاص هم جزء من المواطنين الهنود الذين لم يقعوا ضحية لكارثة مفاجئة أو صدمة وبائية. لقد أصابهم المرض ببساطة في الوقت الخطأ، والمكان الخطأ، ضمن نظام رعاية صحية جائر. بالنسبة لهم، قد يكون حجم النمو الاقتصادي للهند أقل أهمية أو لا يُذكر. فكسر في الساق أو فشل كلوي كان كافياً لهؤلاء المتضررين ليدمّر مستقبلهم المالي.
إنها حالة طوارئ صامتة، ولكنها ليست عرضية.
النفقات الصحية من الجيب: محرك رئيسي للفقر في الهند
تُشكل النفقات الصحية من الجيب نسبة كبيرة من إجمالي الإنفاق على الرعاية الصحية في الهند. هذا يعني أن الأفراد والأسر يتحملون الجزء الأكبر من تكاليف العلاج والأدوية مباشرةً، دون تغطية كافية من التأمين الصحي أو الدعم الحكومي. وهذا يترك آثاراً مدمرة على الوضع المالي للأسر، ويدفع الملايين إلى الفقر كل عام.
كيف تؤثر النفقات الصحية من الجيب؟
- العبء المالي الكارثي: عندما تُجبر الأسرة على إنفاق جزء كبير من دخلها (عادةً ما يُعرف بأكثر من 10% أو 25% من إجمالي الإنفاق أو الدخل) على الرعاية الصحية، يُعتبر ذلك إنفاقاً صحياً كارثياً. هذا يحدث بشكل متكرر في الهند، حيث تواجه ما يقرب من 49% من الأسر التي تسعى للحصول على رعاية صحية (سواء داخل المستشفى أو في العيادات الخارجية) مثل هذا العبء.
- الانزلاق إلى الفقر: تشير الدراسات إلى أن ما يصل إلى 15% من الأسر في الهند تقع تحت خط الفقر بسبب النفقات الصحية من الجيب. فالمرض المفاجئ أو المزمن يمكن أن يستنزف مدخرات الأسرة بالكامل، ويجعلها عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية الأخرى مثل الغذاء والتعليم والسكن.
- تغيير أنماط الاستهلاك: لتغطية تكاليف العلاج، تضطر الأسر إلى تقليل إنفاقها على الضروريات الأخرى. على سبيل المثال، قد يقلل الفقراء من استهلاك الغذاء، أو يقطعون عن أبنائهم التعليم، أو يبيعون أصولهم (مثل الأراضي أو الماشية) لتوفير المال. هذا لا يؤثر فقط على رفاهيتهم الحالية، بل يحد من فرصهم في تحسين وضعهم الاقتصادي على المدى الطويل.
- الاستدانة والاعتماد على مصادر تمويل شاقة: تلجأ العديد من الأسر إلى الاقتراض من مصادر غير رسمية وبفوائد عالية، أو بيع ممتلكاتها، أو سحب مدخراتها لتمويل الرعاية الصحية. هذه الاستراتيجيات اليائسة تُدخلهم في دوامة من الديون ويصعب عليهم الخروج منها.
- المشاكل المزمنة أكثر إرهاقاً: الأمراض المزمنة مثل السرطان، وأمراض الكلى، والاضطرابات النفسية والعصبية، والإصابات، تُشكل عبئاً اقتصادياً هائلاً. تكاليف العلاج المستمرة لهذه الحالات يمكن أن تُنهك حتى الأسر ذات الدخل المتوسط.
- تفضيل القطاع الخاص يفاقم المشكلة: على الرغم من وجود مرافق رعاية صحية عامة، فإن العديد من الأسر، حتى الفقيرة، تفضل البحث عن الرعاية في المرافق الخاصة، والتي غالبًا ما تكون ذات جودة أعلى ولكنها تأتي بتكاليف أعلى بكثير. هذا يزيد من عبء النفقات من الجيب بشكل ملحوظ.
- تأثير على الوصول إلى الرعاية: الخوف من التكاليف المرتفعة يدفع بعض الأفراد إلى تأجيل أو عدم طلب الرعاية الطبية على الإطلاق، مما يؤدي إلى تفاقم حالتهم الصحية وزيادة تعقيد العلاج وتكلفته في المستقبل.
جهود التخفيف والتحديات المتبقية
لقد أدركت الحكومة الهندية هذه التحديات وبدأت في اتخاذ خطوات لزيادة الاستثمار في الرعاية الصحية العامة وتوسيع برامج التأمين الصحي، مثل “أيوشمان بهارات”، والتي تهدف إلى توفير تغطية صحية لملايين الأسر المحتاجة. هذه الجهود ساهمت في انخفاض طفيف في نسبة النفقات من الجيب في السنوات الأخيرة.
ومع ذلك، لا يزال الطريق طويلاً. لا تزال التغطية التأمينية منخفضة نسبياً، ونوعية الرعاية في بعض المرافق العامة بحاجة إلى تحسين، مما يدفع الكثيرين نحو القطاع الخاص. التحدي يكمن في بناء نظام رعاية صحية قوي وشامل، يمكنه حماية جميع المواطنين من الصدمات المالية للمرض، وضمان حصولهم على الرعاية التي يحتاجونها دون أن يقعوا فريسة للفقر.