إنها مفارقة أبدية تلازم الوجود البشري: الحرب والسلام. اثنان من أقطاب التجربة الإنسانية، كل منهما يحمل في طياته قدرًا هائلاً من التأثير على حياتنا ومستقبلنا. فبينما تُشعل نيران الصراعات شرارة الدمار والخراب، تُزهر بذور السلام لتثمر الأمن والأمان والرخاء.
إن الاعتراض على الحرب ليس مجرد رأي، بل هو صرخة وجع ضد كل ما تدمره. فالحرب لا تترك شيئًا سليمًا؛ إنها تُفقد الأرواح وتُشرد العائلات وتُمزق النسيج الاجتماعي. يتداعى الاقتصاد تحت وطأة النزاعات، تتوقف عجلة الإنتاج، وتتراجع الاستثمارات، وتنهار البنى التحتية، مما يدفع بالمجتمعات إلى هوة الفقر واليأس. ليس هذا فحسب، بل تمتد يد الحرب المدمرة لتطال الفن والثقافة، التي هي مرآة الروح الإنسانية، فتُحرق الكتب وتُهدم المتاحف وتُفقد الأعمال الفنية التي استغرقت أجيالًا في بنائها.
إن القرارات التي يتخذها بعض الحكام، والتي تدفع الأمم نحو الصراع، غالبًا ما تكون مدفوعة بالكبرياء الشخصي أو المصالح الضيقة، لا بمصلحة الإنسان. فكم من حرب اندلعت بسبب غرور قائد، أو رغبة في فرض الهيمنة، أو حسابات خاطئة، لتُخلّف وراءها أعدادًا لا تُحصى من القتلى والجرحى، وتُورث الأجيال القادمة أعباءً ثقيلة من الكراهية والثأر. إن التكلفة البشرية والمادية لهذه النزاعات تفوق أي مكاسب وهمية قد تُجنى منها.
على النقيض تمامًا، يقدم السلام للإنسانية ملاذًا للنمو والازدهار. ففي كنف السلام، ينعم الأفراد بالأمن والاستقرار، وتُتاح لهم الفرصة للبناء والإبداع. تزدهر الاقتصادات، وتُفتح آفاق جديدة للتنمية، وتُشجع الابتكارات في جميع المجالات. يصبح الفن ليس مجرد رفاهية، بل ضرورة تعكس جمال الحياة وتنوعها، وتُقام المعارض الفنية والمهرجانات الثقافية، وتُتبادل الأفكار بحرية، مما يثري الحضارة الإنسانية. إن السلام هو البيئة الخصبة التي تسمح للإبداع البشري بالتحليق، من العلم إلى الأدب إلى الموسيقى، بينما الحرب لا تجني سوى الدمار والخراب. ألا يستحق الإنسان هذا السلام؟