أصدرت الهيئة المصرية العامة للكتاب، التابعة لوزارة الثقافة، مؤخرًا إصدارًا مهمًا من جزأين بعنوان “من تراث العقاد في مجلة الرسالة”. هذا العمل، الذي حققه وقدمه الدكتور محمد فتحي فرج، يوثق مجموعة قيمة من الفصول والمقالات التي كتبها المفكر والأديب الكبير عباس محمود العقاد ولم تُنشر من قبل في أي كتاب.
نافذة على إرث العقاد الفكري
يُلقي هذا الإصدار الضوء على جانب أساسي من الإنتاج الأدبي والسياسي للعقاد (1889-1964)، الذي يُعد واحدًا من أبرز قامات الفكر العربي في القرن العشرين. لقد ترك العقاد وراءه إرثًا ضخمًا يتجاوز ستة آلاف مقال وفصل أدبي وسياسي واجتماعي، بالإضافة إلى أحاديثه الإذاعية والصحفية ومقدماته للعديد من الكتب والدواوين التي كتبها لكبار الأدباء، بمن فيهم أعضاء جماعة الديوان.
يركز الكتاب بشكل خاص على مقالات العقاد التي نُشرت في مجلة الرسالة. هذه المجلة، التي أسسها الأديب أحمد حسن الزيات عام 1933، كانت من أهم المنابر الثقافية في العالم العربي حتى توقفها عام 1953. بدأ العقاد الكتابة فيها منذ عددها الثاني، وسرعان ما أصبح أحد أعمدتها الرئيسية. تنوعت مقالاته في “الرسالة” بين النقد الأدبي والتأملات الفكرية والمواقف السياسية، وتميزت جميعها بالعفوية والصدق والعمق المعرفي.
تصحيح المسار وتوثيق الإرث
يشير الدكتور محمد فتحي فرج في مقدمة الكتاب إلى أن هذا الإصهم جاء ردًا على المحاولات السابقة لجمع تراث العقاد بطرق غير علمية أو مخالفة لقواعد التوثيق. فقد أُدرجت مقالات سبق نشرها ضمن كتب زُعم أنها “غير منشورة”، مما أدى إلى تشويه إرث العقاد وتضليل الباحثين والدارسين.
يكشف الكتاب أيضًا عن الأسباب الحقيقية وراء توقف العقاد عن الكتابة في مجلة “الرسالة”، والتي تعود إلى خلاف مع سكرتير التحرير عباس خضر. تسلط هذه الواقعة الضوء على الكواليس الأدبية والصراعات الشخصية التي سادت تلك الفترة.
إضافة قيمة للمكتبة العربية
يُعتبر هذا العمل إضافة بالغة الأهمية للمكتبة العربية، ومرجعًا موثقًا لتاريخ واحد من أعظم مفكري مصر. يأتي هذا الإصدار في وقت تتزايد فيه الحاجة إلى استعادة النماذج الفكرية والثقافية الجادة وتوثيقها بصورة علمية تحفظ مكانتها وتاريخها.